We would like to express our sincere gratitude to Dr. Bandar Altalidi for his valuable contribution in editing the translation.
نتقدم بخالص الشكر والتقدير للدكتور بندر التليدي على مساهمته القيّمة في مراجعة الترجمة.
تهدف هذه المقالة إلى توسيع النّطاق التقليدي للطب السرديّ وشموله لما هو أوسع من مجرّد الممارسة الطبية والتعامل السريريّ المباشر مع المريض، والتي عرّفت دوره الطب السرديّ وحددته على مدى التاريخ، وذلك بإبراز مساهماته في تعزيز نقل المعرفة الطبيّة. وتهدف نقل المعرفة وترجمتها، التي ترتبط غالبًا بالبعد العلميّ التجريبيّ للطبّ، إلى سدّ الفجوة بين البحث الطبيّ وتطبيقاته العمليّة، ممّا يسهم في حلّ الإشكال بين العلم والثقافة لصالح النموذج المعرفيّ القائم على الأدلّة. ومن ناحية أخرى، يركّز الطب السرديّ على الجوانب الإنسانيّة والثقافيّة للرعاية الصحيّة، مركّزا على تجربة المريض بسياقها الثقافيّ والسرديّ الخاصّ. ولقد كان التركيز مشدّدا على تجربتي المريض والطبيب المعالج، وعلى السرد الفرديّ، بدلاً من دراسة الأسس السرديّة للممارسة الطبيّة برُمّتها. وقد نتج عن هذا الأمر النظر للطب السرديّ بأنه الجانب "الفنيّ" للممارسة الطبيّة، واعتباره نظير للمناهج العلميّة الصارمة للطبّ القائم على الأدلة. وأبيّن في هذه المقالة أنّ مفاهيم ريتا كارون (2017) حول "الانتباه" و"التمثيل" و"الانتماء"—وهي المفاهيم المميّزة للطبّ السرديّ—يمكن استحضارها لإظهار العلاقة التكميليّة والمتمّمة بين الطبّ الانتقاليّ والطب السرديّ، وذلك بمعارضة الثنائية التقليديّة بين الفنّ والعلم، التي تضع الطب السرديّ موضع المعارضة مع ترجمة المعرفة ونقلها. كما يمكن فهم الأمر "المكمّل أو المتمّم"، وَفق لنظرية دريدا، على أنّه إضافة خارجيّة إلى شيء طبيعيّ وأصيل، كما أنه تعويض عن نقص كامن في هذا الأصل الطبيعيّ. وقد بيّنت في تحليلاتي في هذه المقالة أن الجوانب السرديّة والعلاقاتيّة والتأويليّة متأصلة في الطبّ الانتقاليّ، فهي تحدّد ما يجعله "انتقاليًا" بحقّ. وتتضمّن كلّ مرحلة من مراحل السلسلة الانتقاليّة، إلى جانب اللقاء السريريّ المباشر، عناصر سرديّة، حتى وإن لم تكن جلية كجلائها في التفاعلات مع المرضى.
يقترح جويال وآخرون معه (2008) مفهوم "الطب السرديّ القائم على الأدلة" لتوسيع نموذج الطب الانتقاليّ، مشيرين إلى أنه قد يسهم بفعاليّة في سدّ الفجوات داخل السلسلة الانتقاليّة بتقوية العلاقات التحويليّة ثنائيّة الاتجاه وإثرائها. وزادوا على ذلك ملاحظين أن معظم الشروحات للبحث الانتقاليّ تركز على الانتقال من البحث الأساسيّ إلى البحث السريريّ (T1) [أي المرحلة الانتقالية الأولى]، ومن البحث السريريّ إلى الممارسة السريريّة (T2) [أي المرحلة الانتقاليّة الثانية]، بَيْدَ أنّها غالبًا ما تُهمل الدور الحاسم لقرارات للمرضى. وتعدّ التفاعلات الأساسيّة بين المرضى ومقدّمي الرعاية الصحيّة ضرورية [وهي المرحلة التي يُطلق عليها (T3) أي المرحلة الانتقالية الثالثة في نموذج جويال الموسّع ورفاقه]. لضمان التزام المرضى واستفادتهم من التوصيات الطبيّة؛ ومالم تُدمج في التحليل فإن نموذج البحث الانتقاليّ لن يكتمل.
وبينما تمثل الإضافة التي اقترحها جويال ومن معه (2008) إلى السلسلة الانتقالية (T3) ومقاربتهم العامة تعزيزًا قيّمًا للبحث الانتقاليّ، فإن حصر التفاعلات السرديّة في خطوة محددة ضمن هذه السلسلة يضيّق نطاقها، مما يحصر عمليات الانتباه والتمثيل والانتماء—وهي أُسّ ممارسة الطب السرديّ—ويخصها باللقاء السريريّ، أي في العلاقة المباشرة بين الطبيب والمريض. ولذا درستُ كيف يمكن للإطار المفاهيميّ المستمد من الطبّ السرديّ، ولا سيّما مفاهيم الانتباه والتمثيل والانتماء، أن يزيد فهمنا للعمليّات الانتقالية في نقل المعرفة الطبيّة بما يتجاوز حصرها في التفاعلات السريريّة فحسب.
كما طبّقتُ هذه المفاهيم ووسّعت نطاقها في تحليلي لدراسة أجرتها ديلا كروز وآخرون (2023)، فتبحث هذه الدراسة كيفيّة استخدام الفئران نماذج لدراسة التأثيرات التناسليّة لقمع البلوغ وتثبيطه بمُثبِّطات البلوغ وبالتستوستيرون، وهو علاج شائع للمتحولين من إناث إلى ذكور في فترة البلوغ. وقد استخدم الباحثون، في هذه الدراسة، إناث فئران صغيرة لمحاكاة العلاجات الهرمونيّة التي تُعطى عادة للمتحولين من إناث إلى ذكور أثناء انتقالهم وتحوّلهم. وأقول، مستنداً على مفاهيم "الانتباه" و"التمثيل" والانتماء"، بأنّ الخطوات الانتقاليّة في هذا التحوّل ينبغي أن تُفهم على أنّها عمليّات معقّدة ومتداخلة لصياغة المعنى، وليس مجرد عمليّات استنتاج منطقيّ مباشر فحسب.
يشمل مفهوم "الانتباه" الفحص النقديّ للسرديّات المتضمنة في التحليل، مع التركيز على مدى احتماليّة وقوعها وصحتها وسلامتها. وبذلك يشير إلى إمكانيّة الكشف عن ازدواجية السردية واحتمالات تعارض القيم. ويتجلى ذلك في الاختلاف بين مجموعتين متباينتين من القيم، في سياق دراسة مُثبِّطات البلوغ ومناقشتها في هذه المقالة. فمن جهة، يدعم البحث قيمة الحريّة الفرديّة وحقّ الأطفال والشباب في اختيار هوايّتهم، إذ يتيح للشباب المتحوّلين جنسيًّا ممارسة هذا الحقّ. ومن جهة أخرى، يثير التساؤل عن مدى امتداد هذه الحريّة والحقوق نفسها إلى الحيوانات المستخدمة في التجربة، ممّا يكشف عن تناقض محتمل بين المبادئ الأخلاقيّة المتّبعة في كلتا الحالتين.
وفي سياق نقل المعرفة وترجمتها، يشمل "التمثيل" عمليّة معقّدة من إعادة السرد تتضمّن التنبؤ لصياغة التصورات وتوجيه التفسير، والاعداد والترتيب لنسج أحداث متفرقة في سرد متماسك، والتنبؤ مجدداً لدمج هذا السرد في عالمنا وواقعنا المعيش. وتتطلب هذه العملية بالضرورة استحواذًا انتقائيًا، بما في ذلك القرارات المتعلقة بما يجب تضمينه أو استبعاده من التحليل، وما ينبغي التأكيد عليه أو التقليل من شأنه داخل السرد. ولعلّ فهم هذه العملية المعقدة يساعدنا في إدراك إمكانيّة بناء سرديّات بديلة تستند إلى نفس الأحداث والوقائع. فعلى سبيل المثال، في الدراسة المتعلقة بمُثبِّطات البلوغ، قد يؤدّي تبنّي نمط مختلف من الانتقاء السرديّ إلى التركيز على تفاصيل العلاج وردود فعل الحيوانات المشاركة، ممّا يدعم المبرّرات للتضحية بها في سبيل البحث العلميّ.
وأخيرًا، فإنّ ما تسميه كارون "الانتماء" يعدّ عنصرًا أساسيًّا في أي عملية لنقل المعرفة. فهو لا يقتصر على إنشاء مسارات جديدة وموثوقة للترابط فحسب- مثل سدّ الفجوة بين الفئران والبشر- بل يشمل أيضًا تحفيز مصالح واستثمارات متنوّعة، سواء كان ذلك عمدًا أو دون قصد. ومن الأمثلة على هذه المتغيرات ترويج شركات صناعة الأدويّة لمُثبِّطات البلوغ، وما تبع ذلك من انتقادات سياسيّة لتدخلّاتها في هذا الموضوع.
وخلاصة القول، تشير هذه المقالة في مجملها بأنّ الطب السرديّ الانتقاليّ يعيننا في تحليلٍ دقيقٍ جداً لطبيعة الأدلة المستخدمة، والغرض منها، والسياق الذي توظّف فيه. فبإدراكنا أنّ الثقافات المعرفيّة المختلفة- كما تتجلّى هنا في "قصة الفئران" مقابل "قصة البشر"- في أصلها سرديّات تتشكّل وَفق رؤية شخصيّاتها الفاعلة ومنطقها الخاصّ، وتعكس أنظمة قيم متباينة. بإدراكنا ذلك، يمكننا إبراز ممارسة انتقاليّة أجود وأعرق أصلاً عن الجوانب الأخلاقية. ويتجاوز هذا المدخل البحثيّ والمنهج العلميّ مجرّد الاعتماد على العقلانيّة العلميّة والاستنتاج المنطقيّ فحسب، ليشمل "عقلانية سردية" أشمل وأوسع تراعي القيم وتعلي شأنها.